عدنان بن عبد الله القطان

28 ربيع الآخر 1443 هـ – 3 ديسمبر 2021 م

—————————————————————————–

الحمد لله رب العالمين، الذي خلق فسوّى، والذي قدّر فهدى، سبحانه، صوّرنا فأحسن صورنا، ورزقنا من الطيبات، وإليه المصير، ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له هو الأول والآخر والظاهر والباطن، وهو بكل شيء عليم، ونشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، الرحمة المهداة، والنعمة المُسْدَاة، والسراج المنير، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأزواجه وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد: فأوصيكم -عباد الله- ونفسي بتقوى الله؛ فاتقوا لله رحمكم الله، واعلموا أن الأمس لا يعود، واليوم لا يدوم، والغد غير معلوم، فتعلَّموا من الماضي، واعملوا في الحاضر، واستعِدُّوا للقادم، فالجميع راحلون، سامِحُوا مَنْ أساء، وتجاوَزُوا عمَّن اعتدى، ولا تشتكوا الأيام؛ فليس لها بديل، ولا تبكوا على الدنيا، فنهايتُها الرحيلُ، والاحترام خير ما يتهاداه الإخوان والأحباب، ومن ابتغى الحمدَ فليُحسن السيرة، والودُّ بين الإخوان نعمةٌ، والتواصلُ بينَهم رحمةٌ؛ (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)

معاشر المسلمين: اعلموا رحمكم الله أن هذه الدار مصيرها للفناء، وأهلها للموت والبلى، خدَّاعة غرارة، والنفوس بالسوء أمارة، والشيطان يأمر بالسوء والفحشاء، ويعد بالفقر والخسارة، ومن لم يكن يومه خيراً من أمسه فهو مغبون، ومن لم يكن في زيادة فهو في نقصان، غير أن الأعمال الجليلة، والآثار الجميلة، والفِعَال الحميدة هي التي تخلِّد ذكرَ صاحبها، وتُورِثه حياةً بعد الممات، وتبقي له ذكراً وثناءً، وحمداً ودعاءً، كم من القادة والعلماء والفضلاء والعظَماء قد غيَّبهم الأجل، وطواهم الموت، ولازالت مآثرُهم وآثارُهم ومفاخِرُهم تبعَث في المجالس طيباً، وتنشر في الآفاق عَرفًاً وأريجاً ، يحمل الناس على عمل الخير، وفعل الجميل؟ والاقتداء الحسَن. عاشوا في الناس أحياء، وأجسادهم في القبور والأجداث بالية ورميم..

قد ماتَ قومٌ وما ماتَتْ مكارٍمُهم

                                  وعاشَ قومٌ وهُم في الناس أمواتُ

إن قِيلَ ماتَ فلم يمُتْ منْ ذِكرُهُ

                                                 حيٌّ على مرِّ الأيّامٍ باقي

أيها المؤمنون والمؤمنات: السمعة الحسنة والذِّكْر الطيب هي رأس مال المرء، وهي عُمره الثاني، يبنيه في حياته القصيرة؛ ليكون عمرَه المديدَ، لسان الصدق في الآخِرين نعمة من الله عظيمة، ومِنَّة من المولى كبيرةٌ، يختصُّ بها مَنْ يشاء من عباده، ممَّن آمَنوا، وصدَقوا، وأخلَصوا، وبذَلوا، ونفَعُوا الخلق ونشروا الإحسانَ في العالَمينَ السمعة الحسنة نعمة يضعها الله للعبد في نفوس الناس ويُجرِيها على ألسنة الخَلْق والذِّكْرُ الطيبُ معيارٌ من معايير القِيَم والأخلاق يَرجِع إليه الناسُ، ويَزِنُونَ بها أقدارَ الأفراد.

أيها الإخوة: الحمد يبقى لِمَنْ عمَّ نفعُه، والثناء يدوم لمن انتشر عطاؤه، والسمعة الحسنة تُحفَظ لمن تواصَل برُّه، والذِّكْر يعلو لمن ترادَف إحسانه، فترى هؤلاء الأخيار يُقدِّمون

من الأعمال، والقُرَب، والطاعات، ما لا ينقطع به عملٌ، ولا يقف معه أجرٌ، يقول صلى الله عليه وسلم (أحبُّ الناسِ إلى الله أنفعُهم للناس) لسان الصدق في الآخرين، (أي الثناء الصادق للإنسان في حياته وبعد مماته) هو بعد فضل الله من ثمرة عمل المرء، وحسن تصرفاته، وكريم سلوكه، والناس شهداء الله في أرضه، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدٍ خَيْراً عَسَلَهُ قِيلَ: وَمَا عَسَلَهُ ؟ قَالَ: يُفْتَحُ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ بَيْنَ يَدَيْ مَوْتِهِ، حَتَّى يَرْضَى مَنْ حَوْلَهُ) ومعنى (عسَّله)، مأخوذ من العسل؛ فكأنه شبه العمل الصالح الذي يفتح للعبد حتى يرضى الناس عنه، ويطيب ذكره فيهم، ويكثر ثناؤهم عليه شبهه بالعسل؛ لحلاوته وحسن مذاقه ومحبة الناس له… عباد الله: ولقد حرص على السمعة الطيبة والسيرة الحسنة، والذِّكْر الكريم، أفضلُ البشر، وأكرمُ الخلق، أنبياءُ الله ورسلُه عليهم جميعاً صلوات الله وسلامه؛ فقد سألوا ربَّهم أن يهبهم الذكرَ الحسنَ، ولسانَ الصدق في الآخِرين، فقال الخليل عليه السلام: (رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ، وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ) أي واجعل لي ذكراً جميلاً بعدي أذكر به، وهو الإمام الذي سأل الإمامة لذريته من بعده؛ (قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي) ولحقت دعوته المباركة ذريته من بعده، فكانوا ألسن صدق، وأئمة هدى، يتتابعون عبر القرون، من إسماعيل وإسحاق ويعقوب ولوط والأسباط، إلى نبينا محمد عليهم جميعاً صلوات الله وسلامه، جموعٌ بعدَ جموعٍ من الأنبياء، والصِّدِّيقين، والصالحين إلى آخر لسان صدق من هذه الأمة المباركة، الأمة المحمدية، (رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)

هذه الأمة خير أمة أُخرِجت للناس، من ذريته، وفيهم ما لا يُحصى من ألسن الصدق من الصحابة والتابعينَ، وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين؛ فأتباع الرسل لهم ميراثُ لسان صدق

بحسب إيمانهم، وطاعتهم، وخدمتهم لدين الله وينقُص حظُّهم بقدرِ تقصيرِهم، وبُعدِهم عن نَهْجِ الخليلِ وذريته، نهجِ الملةِ الحنيفيةِ.

نعم عباد الله: لقد أجاب الله دعاء الخليل ابراهيم عليه السلام فجعل الإمامة فيه وفي ذريته؛ (وَوَهَبْنَا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّاً) يعني جعلنا لهم ثناء حسناً رفيعاً في كل أهل الأديان، فكلهم يتولونهم، ويثنون عليهم، وقال سبحانه: (وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ، إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ، وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ، وَاذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ وَكُلٌّ مِنَ الْأَخْيَارِ) إنه: شرف وثناءٌ جميل يُذكَرون به إلى يوم القيامة.

أيها المسلمون: ويأتي في الذروة وأعلى المقام أرفع الناس قدراً، وأرفعهم ذكراً، وأعظمهم شرفًاً، وأكثرهم للخَلق نفعاً، سيدنا ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم، والذي قال فيه ربُّه: (وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ) إنه محمد صلى الله عليه وسلم لا يخزيه الله أبداً، يصل الرحم، ويصدُق الحديث ويحمل الكلَّ، ويقري الضيف، ويُعين على نوائب الدهر، لا يخزيه الله أبداً، وهو الصادق الأمين، في الجاهلية والإسلام.

أيها المؤمنون: لقد حرص نبينا محمد صلى الله عليه وسلم على تربية أصحابه على الحفاظ على السمعة الحسنة، والبُعد عن كل ما يخدشها في حق الإسلام، وأهل الإسلام، فقال لهم حين أشار بعضُهم بقتل أحد المنافقين، قال: (لا، حتى لا يتحدَّث الناس أن محمداً يقتل أصحابه)؛ حرصاً منه عليه الصلاة والسلام على سمعة الدعوة وسمعة الدين، الذي أشرقت بنوره مشارق الأرض ومغاربها، وفي قصة زوجته أم المؤمنين صفية رضي الله عنها قال لرجلين لما رآهما ينظران إليهما: على رسلكما؛ إنها صفية بنت حيي، فقالا: سبحان الله يا رسول الله  (أنشك فيك) قال: إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شراً أو قال: شيئاً) قال أهل العلم: (وفيه التحرز من التعرض لسوء الظن، والاحتفاظ من كيد الشيطان، والاعتذار متأكَّد في حق كل من يُقتدى به من أهل العلم والفضل والجاه، فلا ينبغي أن يفعلوا شيئاً يدعو إلى سوء الظن بهم، وإن كان لهم فيه مخلص؛ لأن ذلك سبب لإبطال الانتفاع بهم).

أيها الإخوة والأخوات في الله: ويأتي من بعد الأنبياء من رموز الناس ورؤوسهم ممَّن يعم نفعهم ويعظم أثرهم، من أهل الذِّكْر والشرف وحسن السمعة وطيب الذِّكر، فهذا حاكم يبسط العدل، ويقيم القسط، ويقاوم الفساد، ويحمي النزاهة، ويمنع الظلم والجور، ويحفظ حقوق الرعية، ويحوطهم برعايته وحفظه، يحمي البلاد، وينتصر لدين الله، فتراه في الناس معظَّماً، وفي المجالس مهيباً، وفي أعين الناس كبيراً، وعند أهل الإسلام جليلاً، وسِجِلُّه في التاريخ حافلاً محفوظاً، وهذا عالِم تقيّ، متواضع، ينفع الناس بعلمه، وخُلقه وإحسانه، يعلو في الناس ذِكرُه، ويرتفع في الناس قدرُه، ويبقى في الخَلق أثرُه، لعلمه ودينِه وتقواه وإتباعه لسنة

وهدي النبي الحبيب صلى الله عليه وسلم، وإخلاصِه لله تعالى… وهذا غني جواد، سخي معطاء، يُحسِن للفقراء ويكفل الأيتام، ويشفق على المساكين، ينفق في ميادين الخير والبر، يدعم المشروعات الخيرية ويفرِّج الكربات، ويبذل ماله في سبيل الله؛ لإعلاء كلمة الله فإنّ عامة الناس تثني عليه وتضِجُّ بالدعاء له، وذِكرِ محاسنه ويُكتَب له قبولٌ تامّ وجاهٌ عريض… وهذا وجيه ذو جاه، يشفع ويصلح ويجمع الكلمة وينشر الخير والبر والمعروف.

وهذا عافٌ عن محارم الله، كافُّ عَن أعراضِ الناس، يرضِي الناس في غير معصية، بأصالةِ رأي، ورجاحَة عقل، وسلامة قلب، وكرم وإنفاق، وعِفّةٍ في الفرج واليد واللسان؛ فذاك السيّد الوجيهُ الذي يُقدِره الناس، وتهابُه الرّجال، ويَبقَى ذكرُه في الأجيال… أوصى رجلٌ بنيه، فقال: (يا بنيَّ، عاشروا الناسَ معاشرةً؛ إن غِبتم عنهم حنّوا إليكم، وإن متُّم بكوا عليكم)

وآخرون كثير لا يحصيهم عد، ولا يقعون تحت حصر، ممن يبذل الندى، ويكف الأذى، ويتحمل المشاق، في سلامة دين ورجاحة عقل، وعفة نفس، وسلامة قلب، ممن يقرئون القرآن الكريم، وينشرون السُّنَّة النبوية، ويعمرون المساجد والمدارس والمعاهد والمشافي ويحفرون الآبار ويكثرون الصدقات ويسددون الديون ويقضون الحوائج، ويأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر، ويدعون إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، والنصح لأئمة المسلمين وعامتهم، والإصلاح بين الناس، وجمع الكلمة على الخير والهدى والتقى والصلاح، كل هؤلاء يقدرهم الناس، ويبقى ذكرهم في الأجيال، يغيب الموت أجسادهم، ويحفظ الله لهم أعمالهم وآثارهم، ويبقى ذكرهم ويمتد الدعاء لهم.

وبعد عباد الله: المؤمن لا يبذل الخيرَ للمدح، ولا رغبةً في الثناء، ولا طمعاً في السمعة، ولكن يبذلُه بنيةٍ خالصةٍ، ومقصدٍ حسنٍ، فيَقبَل اللهُ سعيَه، ويضع له القبولَ في العباد، فينشر له الذكرَ الحسنَ والثناءَ والدعاءَ، روى أشهب عن مالك رحمهما الله قال في قول الله عز وجل: (وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ) قال: لا بأس أن يحب الرجل أن يثنى عليه صالحاً، ويرى في عمل الصالحين، إذا قصد وجه الله، وقد قال سبحانه: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا) أي: حباً في قلوب عباده، وثناء حسناً، الله أكبر، شرفاء معظمون، إن غابوا اشتاقت لهم النفوس، وإن فقدوا بكتهم الأعين والقلوب.

نسأل الله تعالى أن يوفقنا لما يحب ويرضى، ويجعلنا مباركين أينما كنّا، ويجعلنا من الهداة المهتدين، غير الضالين ولا المضلين.

نفعني الله وإيّاكم بالقرآن العظيم، وبهديِ سيد المرسلين، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيمَ الجليل لي ولكم ولسائرِ المسلمين من كلّ ذنبٍ فاستغفروه، إنّه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله على عظيم آلائه، والشكر له على تعاقُب نعمائه، ونشهد ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، المتوحِّد في كبريائه، ونشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبد الله وسوله، أفضل رسله وخاتم أنبيائه، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأزواجه وأصحابه وأصفيائه، والتابعين ومن تبعهم بإحسان، وسلَّم تسليماً كثيراً، إلى يوم لقائه.

أما بعد فيا أيها المسلمون والمسلمات: سبحان من فاوت بين الناس، وجعل بينهم كما بين السماء والأرض! أقوام طهرت قلوبهم فسمت هممهم، وزكت نفوسهم فصلحت أعمالهم؛ فهم كالنحل لا يأكل إلا طيباً ولا يخرج إلا طيباً، وآخرون أظلمت قلوبهم فسفلت إراداتهم، وخبثت نفوسهم فانحطت أعمالهم؛ وفترت هممهم، وصغرت نفوسهم، وضعفت أعمالهم، وخبا ذكرهم، بل فيهم من ساءت سمعتهم؛ (فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ) فهم كالذباب لا يحوم إلا على المزابل ولا يقع إلا على الجروح أجلكم الله! يقول صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ اللهَ إِذَا أَحَبَّ عَبداً دَعَا جِبرِيلَ، فَقَالَ: إِنِّي أُحِبُّ فُلاناً فَأَحِبَّهُ، قَالَ: فَيُحِبُّهُ جِبرِيلُ، ثُمَّ يُنَادِي في السَّمَاءِ، فَيَقُولُ: إِنَّ اللهَ يُحِبُّ فُلاناً فَأَحِبُّوهُ، فَيُحِبُّهُ أَهلُ السَّمَاءِ، ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ القَبُولُ في الأَرضِ، وَإِذَا أَبغَضَ عَبداً دَعَا جِبرِيلَ، فَيَقُولُ: إِنِّي أُبغِضُ فُلاناً فَأَبغِضْهُ، فَيُبغِضُهُ جِبرِيلُ ثُمَّ يُنَادِي في أَهلِ السَّمَاءِ: إِنَّ اللهَ يُبغِضُ فُلاناً فَأَبغِضُوهُ، قَالَ: فَيُبغِضُونَهُ ثُمَّ توضَعُ لَهُ البَغضَاءُ في الأَرضِ)

نعم عباد الله ويموت أناس فلا يؤسى لفراقهم، ولا يشعر بفقدهم أحد، فليس لهم آثار صالحة، ولا أعمال نافعة، ولا إحسان إلى الخلق، لا يرى لهم شاكر، ولا يذكرهم بالخير ذاكر، وكأنهم لا كانوا ولا وجدوا، ناهيكم بمن يفرح الناس لموتهم، ويتنفسون الصعداء عند فقدهم، من حقود حسود، وجموع منوع، وفاحش سليط اللسان، متكبر صاحب هوى، معاملته غلظة، وخلطته شدة، وحديثه ثقيل.

فاحرصوا رحمكم الله على نفع إخوانكم المؤمنين، والإحسان إليهم، بما تستطيعونه من مال أو علم أو جاه أو دعوة للخير؛ فإنه ما استميلت القلوب بمثل الإحسان.

أَحسِنْ إِلى النَّاسِ تَستَعبِدْ قُلُوبَهُمُ

                                          فَطَالَمَا استَعبَدَ الإِنسَانَ إِحسَانُ

فمن لم يستطع فليتحل بالخلق الحسن، وليلن في معاملته ولتطب كلمته، فمن لم يستطع فليكف شره عن الناس، فإنها صدقة منه على نفسه.

أيها المؤمنون: ومن عجيب ما قرره ديننا أن ربنا سبحانه وهو الحكم العدل، أن غير المسلم المخلص الصادق إذا عمل عملا صالحا ينفع العباد والبلاد؛ من إغاثة ملهوف، ونصرة مظلوم، ونفع البشرية، بأي وجوه النفع، فإنه يبقي له ذكرا في الدنيا، وصيتا عبر القرون، كما ذكر نبينا محمد صلى الله عليه وسلم عن حاتم الطائي، وعبد الله بن جدعان، وكذلك في سائر الأعصار والأمصار من المخترعين والمكتشفين، والأطباء، والمدافعين عن حقوق المظلومين، ومن يقدمون الخدمات للبشرية يبقى ذكرهم، وتحفظ سيرهم الحسنة، وأفعالهم الطيبة جزاء ما قدموا ونفعوا، أما الآخرة فليس لهم فيها من نصيب ولا خلاق.

ألَا فاتقوا الله رحمكم الله، فعلى الإنسان أن يحتاط لنفسه، ويحترز لسمعته، ويحفظ كرامته، ويكرم اسمه واسم أهله وقبيلته وعائلته ودينه وبلده ووطنه؛ (يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا) ومن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه.

اللَّهُمَّ زَيِّنَا بِزِينَةِ الإِيمَانِ، وَاجعَلْنَا هُدَاةً مُهتَدِينَ، غير ضالين و لا مضلين.

اللهم أهدنا لأحسن الأخلاق والأعمال والأقوال لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عنا سيئها لا يصرف عنا سيئها إلا أنت، اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا إتباعه وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه.. للهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها معادُنا، واجعل الحياة زيادةً لنا في كل خير، والموتَ راحةً لنا من كل شر، وأحسِن عاقبتنا في الأمور كلها، وأجِرنا من خزي الدنيا، وعذاب الآخرة.

اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذل أعداءك أعداء الدين. وأجعل كلمتك هي العليا إلى يوم الدين… اللهم آمِنَّا في وطننا وفي خليجنا، اللهم اجعل هذا البلد آمناً مطمئناً سخاءً رخاءً وسائر بلاد المسلمين، اللهم وفق ولاة أمورنا وفق ملكنا حمد بن عيسى وولي عهده رئيس وزرائه سلمان بن حمد اللهم وفقهم لما تحب وترضى، ولما فيه الخير والصلاح والازدهار والتقدم للبلاد والعباد، وهيئ لهم البطانة الصالحة الناصحة يارب العالمين

اللهم من أراد بلادنا وبلاد الحرمين الشريفين وخليجنا وجيشنا ورجال أمننا، وبلاد المسلمين، بشر وسوء وفتنة فأشغله بنفسه، وأجعل كيده في نحره، وأدر دائرة السوء عليه يا سميع الدعاء. اللهم كن لإخواننا المستضعفين في كل مكان ناصراً ومؤيداً، اللهم أحفظ بيت المقدس والمسجد الأقصى وأهله واجعله شامخاً عزيزاً عامراً بالطاعة والعبادة إلى يوم الدين.

اللهم اسقنا الغيث، ولا تجعلنا من القانطين، اللهم أغثنا وأغث قلوبنا بالإيمان والتقوى، وبلادنا بالأمطار والخيرات يارب العالمين.

اللهم اغفر ذنوبنا واستر عيوبنا، ونفس كروبنا، وعاف مبتلانا، واشف مرضانا، واشف مرضانا، وارحم والدينا وارحم موتانا، وارحم موتانا، برحمتك يا أرحم الراحمين.

(سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)

    خطبة جامع الفاتح الإسلامي – عدنان بن عبد الله القطان – مملكة البحرين